عاد تفكير غاريث إلى السيف, ومحاولته الفاشلة. لم يكن متأكداً ولكنه شعر كما لو كان قد ورط نفسه في مصيبةٍ كبيرة. لقد شعر كما لو كان قد دفع بنفسه إلى الهاوية, ومن هذه اللحظة, سيقف فقط ويواجه مصيره.
كان واقفاً هناك, والصمت يسود المكان, في حجرة أبية, يرتجف, ويتساءل عن ما يخبئه القدر له. لم يشعر من قبل بهذه الوحدة, لم يكن واثقاً من نفسه.
هل هذا ما يعنيه أن يكون ملكاً؟
سارع غاريث نحو السلم الحلزوني, يصعد الطابق تلو الآخر, يسرع خطاه نحو شرفات القلعة العلوية. كان يحتاج إلى الهواء النقي. يحتاج إلى الوقت والتفكير. كان يحتاج إلى نقطة يراقب منها مملكته, فرصة لرؤية بلاطه, شعبه, ويذكّر نفسه بأن كل هذا ملكه. بأنه وعلى الرغم من كل الكوابيس التي عاشها اليوم, كان في النهاية, لا يزال الملك.
كان غاريث قد صرف مرافقيه وركض وحده, يصعد الدرج تلو الآخر, وهو يتنفس بصعوبة. توقف عند واحد من الطوابق, انحنى وأنفاسه تشتعل. كانت الدموع تنهمر على وجنتيه. كان لا يزال يرى وجه والده, يوبخه عند كل منعطف.
"أنا أكرهك!" صرخ في الهواء.
كان يكاد يقسم أنه سمع أحداً يرد عليه بالاستهزاء والضحك. سمع ضحك والده.
كان غاريث يحتاج إلى الابتعاد عن هنا. التفت وواصل الجري والركض, حتى وصل أخيراً إلى الأعلى. فتح الباب بقوة, واندفع هواء الصيف النقي إلى وجهه.
تنفس عميقاً, وهو يلهث, تحت ضوء الشمس, والنسائم الدافئة. خلع عباءته, عباءة والده, ورمى بها إلى الأرض. كان الجو حاراً ولم يعد يريد هذه الثياب بعد الآن.
سارع إلى حافة الشرفة وأمسك السور الحجري وهو يتنفس بصعوبة, ويراقب مملكته. كان يرى حشداً ليس له نهاية, يخرج من القلعة. كانوا يغادرون الحفل, حفله. لقد استطاع رؤية خيبة أملهم من هنا. لقد بدوا صغار جداً. وتعجب أنهم كانوا جميعاً تحت سيطرته.
ولكن إلى متى؟
" أمور الحكم مضحكة فعلاً," ظهر صوت قديم.
التفت غاريث ورأى, مدهوشاً, أرجون واقفاً هناك, على بعد أمتار, يرتدي عباءة بيضاء وغطاءً, ويحمل أشياءه بيده. كان يحدق فيه, وقد رسم ابتسامة على زاوية شفتيه, ولكن عينيه لم تبتسما. كانتا متوهجتين, كان يحدق في وجهه تماماً, وقد أصابتا غاريث بالرعشة. لقد رأى عبرهما الكثير.
كان هناك الكثير من الأمور التي أراد غاريث أن يسألها لأرجون. لكن الآن بعد أن فشل برفع السيف, لم يكن يتذكر واحدة منها.
"لماذا لم تخبرني؟" ناشد غاريث واليأس في صوته. "كنت تستطيع إخباري بأنني لست المختار. كنت وفرت علي العار والخزي."
"ولماذا أفعل ذلك ؟" سأل أرجون.
عبس غاريث.
"أنت لست مستشاري الحقيقي," قال. "كنت تنصح والدي, أما أنا فلم تفعل."
ازداد غضب غاريث. كان يكره هذا الرجل, وكان يلومه بشدة.
"أنا لا أريدك حولي," قال غاريث. "أنا لا أعرف لماذا وظفك والدي هنا, ولكن أنا لا أريد وجودك في بلاط الملك."
ضحك أرجون, بصوت أجوف مخيف.
"لم يوظفني والدك, أيها الصبي الأحمق," ردّ أرجون. "لا والدك ولا من كان قبله, إن وجودي هنا متعمّد. في الواقع, يمكنك القول أنني أنا من وظفتهم."
تقدم أرجون فجأة خطوة إلى الأمام, وبدا كما لو كان يحدق في روح غاريث.
"هل يمكننا أن نسأل السؤال نفسه عن وجودك هنا؟" سأل أرجون. "هل من المفترض أن تكون هنا ؟"
ضربت كلماته وتراً حساساً عند غاريث, بعثت البرد في جسده. كان الشيء ذاته الذي يسأله غاريث لنفسه, وتساءل غاريث إذا كان ذلك تهديداً.
"من يحكم بالدم سيُحكم عليه بالدم," أعلن أرجون, ومع تلك الكلمات, التفت بسرعة وبدأ في الابتعاد.
"انتظر!" صرخ غاريث, لم يعد يريده أن يذهب, كان يحتاج إلى