انتهى العرض بسرعة، ونظرت إليهم وهم صرعى من البهجة، لكن شيئا وقع ولم يكن بالحسبان، فقد دخلت إلينا مدرسة الشعبة المجاورة، السيدة شميدت تطلب النجدة، وتصيح بالألمانية: البدار البدار.. وقصدتني، ففزعت إليها مع صحبي، طوال الرّماح لا ضعاف ولا عُزل، مهرعين إلى الصف المجاور، وأفئدتنا هواء، وكانت الحرب على أشدها، خمسة من قبيلة الداري الأفغانية قد اشتبكوا مع طالبين سوريين لكماً وضرباً، والشابان يناضلان حتى تكسرت النصال على النصال، والكراسي تتطاير، والكثرة تغلب الشجاعة، تكاثر الطلاب على الباب والنافذة، يشاهدون المعركة، وانضم طالبان من قبيلة البشتون إلى المعركة، فماذا أفعل؟ نجحت في المرة السابقة، بضربة حظ، وكانت رمية وقّى الله شرّها، لكني لا أعرف هؤلاء، رميت نفسي في الوغى، وحاولت أن أحجز بين المتشابكين، وقد التقت الساق بالساق، وحمي الوطيس، وانضم إلي عبدو الأول وعبدو الثاني، واستطعنا بعد لأيٍ الفصل بين المتحاربين، وربما خجل بعضهم من كثرة الشهود فخفّ أوار المعركة، وانطلق بعضنا يضمد جروح الخصوم كما تفعل القرود بالجرحى بعد المعركة. نجونا تلك المرة أيضا من المحاكم والبوليس، فالإدارة تتجنب الإساءة إلى سمعة المدرسة. انتهت الحرب بالصلح، أما شميدت فطلبت إجازة طويلة جدا للاستشفاء من بأس الواقعة، وسافرت إلى أنطاليا لغفران ذنوب المشقة بالنسيان والاغتسال بملح البحر الأبيض المتوسط.
بعد أسبوع قرأت أن الحكومة السويدية أوقفت ثلاثة وعشرين طالباً أفغانياً اعتدوا على سوريين، وأقفلت مدرسة اللغة. برهن الوريث الجمهوري حقا أنه محبوب من الشرق والغرب، وأنه يجلس على قنبلة، مثل بطل قصة حنا مينة الشهيرة، ألم يكن أحسن لنا أن نجيد لفظ القاف مقلقلة قلقلة كبرى بدلاً من تعلم لغة العلوج الأفاضل؟ فيما بعد عدنا إلى الحفلة. كانت المعركة قد أفسدت عليّ يوم مجدي، فنسي الطلاب بطولاتي في فن التقليد والإيماء. كنت قد صرت بالمسرحية ابن الأطايب، وعدت ابن زبيبة بفعل تلك المعركة. سألتني أم الحويرث خجلة وَالْمَاء يثنى على أعطافها أزرا:
هل يمكن أن تشرح لي سبب تلك المعركة بين الأفغان والسوريين؟
قلت: أبيتِ اللعن، عندنا رئيس وسيم ومفكر ومحبوب وله أنصار وعاشقون في كل العالم، الأفغان يحبونه والفرس والروس.. هذا هو سبب الحرب، الحب كده.
سألت: ولمَ كان ذلك السوري الأشقر يقاتل إلى جانب الأفغان ضد أهله السوريين؟!
فخرست، وترقرقت في عيني عبرةٌ مهراقةٌ ولم أحر جواباً، ووجدت نفسي منقلباً إلى زمن آفاتار الجاهلية، مع امرئ القيس الأخير، في غربته في بلاد قيصر، وحوله الزملاء والصحب؛ خرميش وكيما الرداح وباولينا وعايشة وليلي البلغارية والسحاقية بوجنا، وعنيزة، والشمس في جفن المغيب... يقُولُونَ له:
لا تَهلِكْ أَسىً.....
وَتَجَمَّلِ.
Конец ознакомительного фрагмента.
Текст предоставлен ООО «ЛитРес».
Прочитайте эту книгу целиком, купив полную легальную версию на ЛитРес.
Безопасно оплатить книгу можно банковской картой Visa, MasterCard, Maestro, со счета мобильного телефона, с платежного терминала, в салоне МТС или Связной, через PayPal, WebMoney, Яндекс.Деньги, QIWI Кошелек, бонусными картами или другим удобным Вам способом.