ردّ يوسف على خرميش ساخراً: عُد إلى بلدك الحلال.
فقال خرميش: ليس بلد أبيك وأمك حتى تطردني؟
فقال يوسف: بلدك حلال عُد إليه.
فوثب خرميش على يوسف في الصف وثبة النمر الغاضب، وتماسكا، وتلاكما، وتطاير الريش وثار النقع، فأفقت من سرحاني في خمائر كينونتي الآفاتارية، والجميع مذهولون مصعوقون، وأغمي على المدرِّسة "أم الحويرث"، ووضعت الزميلة البولونية السحاقية بوجنا يدها على فمها خائفة، واحمرت الحدق، وحمي الوطيس كما في أفلام الويسترن. الهويات جريحة، كل الهويات صارت تنزف عندما صار العالم قرية صغيرة أصغر من إست العقرب في برد العولمة. بادرت إلى الإسعاف والإغاثة، ووسطتُ بهم جمعاً، فحجزت بينهما وجررت خرميش خارج الصف بالقوة، والرماح نواهل من دمي، وأكلت لطمة طائشة. هدّأتُ خرميشاً، وعدت إلى يوسف الذي يضع الإيشارب وأنا أعاتبه وأقول له:
أنت كبير يا يوسف، وهذا شاب طائش، لك سيماء شيخ قبيلة، وكان عليك أن تحلم على الولد".
وعدت إلى خرميش وأنا أعنفه، وأغالب رغبة شديدة في صفعه صعفةً أجعله فيها يدور مثل الصياح، وكان امرؤ القيس قد وصف بالصياح فرسه: دَرِيرٍ كخُذْروفِ الوليدِ أَمَرَّهُ تَتابُعُ كَفَّيْهِ بخيطٍ مُوَصَّـلِ.
وقال المعجم في شرح المعلقة: شيء يُدَوِّرُهُ الصبيُّ بخيطٍ في يديه فيسمع له دويٌّ.
"يا غريب كن أديب"، هكذا يقول المثل عندنا، لاجئ وتبول وتسْلَح في الصحن، وترمي الناس بالكفر، انظر إلى تقوى يوسف، بلغ به التقوى أنه يخفي شعره الفاتن، فقال: لكنه مرابي، والربا حرام، فقلت: هي من الكبائر، لكنها لا تخرج المسلم من الملّة، وأين الملّة يا فلةّ، العين هنا مفتوحة على الدواعش، سيظنونك داعشياً، أو بطل رواية الجريمة والعقاب لدستوفسكي أيام القيصر. هذا زميلنا وأخونا يوسف المسلم، وليس تاجر البندقية شايلوك.
ناولته منديلا، فمسح الدم عن فمه، وعدت إلى الصف، وكان الجميع مذعورين، كأن القافلة تعرضت لغزوة، وأم الحويرث أليزا صفراء بِالمُتَنَـزَّلِ، من ساعة دَارَةِ جُلْجُلِ، قالت إن هذا أغرب ما وقع لها في سبع سنوات من التعليم، فَفَاضَتْ دُمُوعُ الْعَيْنِ مِنِّي صَبَابَةً، عَلى الْنَّحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِي محْمَليِ.
وعدت إلى خرميش القزعة، وقلت له معاتباً وأنا أشير لسرواله:
قبل أن تصارع الناس في ألمانيا أيها اللاجئ، اشتر بنطلونا لائقاً، يا أخي قل إنك فقير، خذ هذه عشرين يورو مني صدقة، واشتر واحداً جديداً.
وأخرجت قطعة نقدية من جيبي، بنطلونه ممزق ألف مزقه، فابتسم، وقال: لا هذه "مودة ".
قلت: طيب ليس عندك نطاق، سأجلب غدا نطاقاً تلفه على بنطلونك الممزق المرجّل، فأخدود مؤخرتك ظاهر من الخلف.
قال لي: هذه "مودة"..
وضحك على سذاجتي وبساطتي. تابعت جهودي في المصالحة الوطنية العربية الإسلامية، وقلت:
يبدو أنك تحلق لنفسك في البيت، شعرك محلوق قزعة، وذقنك أيضاً، مثل بلاط هذه المدرسة، بلاطة سوداء وبلاطة بيضاء!
فضحك وقال: هذه أيضا مودة (موديل).. الموديل أن يكون شعر الرأس مثل... البلاط.
ذكرت له الحديث الشريف: لا تكونوا إمعة ً تقولون: إن أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وَطنوا أنفسكم: إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا " وقلت له: قبل أن تكفِّر الناس على الفائدة، وهي من الكبائر، وليست مكفرة، وتنصِّب نفسك رئيساً للحسبة في إمارة دويتش لاند المذعورة من الدواعش، وتجعل نفسك مفتياً للحلال والحرام في الإسلام؟ ابدأ بنفسك، القزعة حرام في الإسلام، ومؤخرتك مكشوفة، أأنت من المثليين الأفاضل..