في ديار العمة ميركل. أحمد عمر. Читать онлайн. Newlib. NEWLIB.NET

Автор: أحمد عمر
Издательство: Bookwire
Серия:
Жанр произведения: Языкознание
Год издания: 0
isbn: 9783948011130
Скачать книгу
التي وصفتها بالوطنية، والتي وُفِّقت إليها بين المغربي خرميش والغاني يوسف، فلله الحمد والمنّة. قررت إدارة المدرسة إقامة حفلة، ولم تكن الحفلة بمناسبة انتهاء الحرب بين الطالبين المذكورين، وإنما وافقتها بالزمان، وكانت احتفالاً ببلوع درجة محو الأمية الألمانية. حاولت أن أعتذر عن الحفلة، ذلك أنني أجد نفسي في كل فرح حزيناً وعبيطاً، وغريبا كعاد في ثمود، وأكاد أسقط مثل جيك سولي صريعاً، فحذرتني أم الحويرث أن الحضور إجباري، والغياب يستوجب حضور ولي الأمر وهو "الجوب سنتر"، ويعني نكوصاً عن الاندماج، وبطاقة صفراء، فتذكرت حضور يوم العمل الطوعي في جمهورية رئيسنا المحبوب والذي كان يحرص على العمل فيه المرضى تحت كيس المصل والمكسورين في الجبائر خوفاً من تهمة خيانة الوطن. كنت أميل إلى العيش مع كائنات الآفاتار في العصر الأول، وكان كل طالب مكلفا بوظيفة منزلية تحضر بأقلام النار على صحائف البللور، من أجل الحفلة، وهي وجبة طعام يحضرها معه كي تتآدم الأرواح بالكاتو والكعك في إدام الكوكا كولا، فأحضرت ما أنعم الله به علي من أطايب الطعام الشامية، وكذلك فعل الزملاء، ولاحظت أن المدرسين التركي يلماظ والألمانية أم الحويرث ينظران إليَّ نظرات إعجاب وتقدير، فتذكرت مندوب القبائل المتحدة في العصر الخالي، السيد هرم بن سنان، الذي جرى بالصلح بين عبس وذبيان في داحس والغبراء ، وقال فيها زهير بن أبي سلمى معلقته مؤرخا للحرب، ومدوناً حكمة العربي العتيقة، والمعلقة تعنون بأول شطر فيها، فيقال معلقة “أمن أم أوفى"، وليس أحب إلى كاتب السطور من الوقوف على الأطلال، ففيها قرّة عينه، وهو يتمنى من الله أن يقبض منه أمانته التي خانه فيها كثيراً، واقفاً على الأطلال، فيقول مثل امرأة فرعون: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، أقف على أطلاله، وأبكيه، وقد كان يسخط وهو طالب على أبي نواس وغيره من الشعراء الذين سخروا من شعر الوقوف على الأطلال، وقصفوها ببراميل التهكم، واقتحموا القصيدة اقتحاما.

      قال أبو نواس: قُلْ لمنْ يبْكي على رَسْمٍ دَرَسْ- واقـفـاً، مـا ضَرّ لو كـان جلــسْ.

      فعارضه كاتب السطور شعرياً وقال: قُلْ لمنْ يبْكي على غلام حدث- واقـفـاً، مـا ضَرّ لو كـان فطْس.

      وكان التحديث في القصيدة العمودية، بحذف الطللية، يلقى مباركة من المدرِّس في المدرسة البعثية والنفطية والنثرية والصهيونية، ولم يكن يجرؤ على المعارضة حتى الشعرية منها، فهو طالب وخجول، ورأيه لا يزال غضا تنقصه مواثيق البراهين وإيمان المؤمنين، وكان التحديث في القصيدة بحذف الوقوف على الأطلال يشبه في ملته واعتقاده أن يهجم عريس على عروسه في ليلة الزفاف كما البهائم، فهلا جعل بينه وبين عروس القصيدة رسولا؟

      فسأل السائل: وما الرسول؟

      قال: الضمة واللثمة والقبلة..

      وكان الشاعر العربي، ما أوفاه، يسكن شهرين ببيداءَ لَم يَعرِف بِها ساكِنٌ رَسما، ثم يرحل عنها إلى بقاع أخرى، فيبكي على الأطلال حتى تجري دموعه أشعاراً إلى جدران الكعبة ذهباً، فعرفنا خريطة الجزيرة العربية فؤاداً فؤاداً، وكبداً كبدا بالفاصلة والنقطة والشهقة، ومشاعره الوطنية بيتاً بيتا، فبكينا معه المنزل الأول، أما كتاب قصيدة النثر المحدثون، فجزاؤهم عند كاتب السطور التي تَعاوَرُها الرِياحُ وَكُلُّ جَونٍ، هو جرفهم بالجرافة إلى غرف الغاز وتحويلهم إلى صابون حجري غير حلبي، للعسكر في دورة الأغرار.

       فرشنا أطايب الطعام بعد ترتيب النضد ترتيبا جديدا يناسب مناسبة محو الأمية: طعام مغربي وطعام إفريقي وأفغاني وبولندي أحضرته السحاقية بوجنا.. وأخذتني تلك النسمة المباركة، وضِرع روحي ما تبضُّ بقطرة حليب، وما خلفني سوى الجهد عن الوطن، فقررت أن أتكلم في الحفلة، فاستغرب الطلاب، فعهدهم بي كالأصم الأعجم،