وبجانبي رجل يملأ العين فخامة، والمكان ضخامة، هذبت السذاجة طبعه ومزاجه، وهو لاهٍ باستماع ما يقال، في مكاشفات الأحوال، فيستر وجهه بمنديل، كلما أضحكته تلك الأقاويل، ومما أعجب به وأخذ بلبه اشتداد الخصام بين راكبين متزاحمين، حتى سب أحدهما الآخر وشتمه، ولكمه ولطمه، وكاد يفضي الأمر إلى مناداة الشرطة من النقطة، لولا أنّ السائق أفهم المشتوم السر المكتوم، وهو أنّ الشاتم ممن يجب له الاحترام والاعتبار، لأنه خادم لأحد النظار، فأخذ المشتوم يعتذر ويتودد والشاتم يتكبر ويتمردز
Next to me sat an imposing man who was so bulky that he filled up the entire space. He seemed to value the simple life and was keeping himself amused by listening to people talking about themselves and then covering his face with his handkerchief every time such talk made him laugh. He was particularly happy when two passengers who were squeezed together started arguing. Eventually one of them swore and cursed at the other and then proceeded to cuff him. The police would have been called then and there if the driver had not told the injured party that the person who had cursed and cuffed him had to be shown great respect since he was a minister’s servant. The man at whom the curses had been aimed immediately apologized profusely and tried to make amends while the curser gave him an arrogant stare.
٣،٤،٠
وبينا نحن نسير، إذ أوقف المركبة الصفير، وإذا برجلين يتساران وهما سائران، أحدهما راكب دراجة، والثاني قد نفخ المشي أوداجه، فما وصلا إلى المركبة حتى قام لهما مكاتفي احتراما، يستقبل منهما تحية وسلاما، فامتطى الماشي كرسي الترامواي امتطاء صهوة الجواد، فعل الفارس في ميدان الجلاد والطراد، وبقي صاحب الدرّاجة يساير المركبة بجانبنا فصرت بينهم، ولم أدر من هم، حتى ظهر لي من تهاديهم تحية الإمارة أنهم من ذوي النظارة، وعلمت من حديثهم أنّ الراكب الأول بجانبي وكيل الحقانية والماشي ناظر الحربية والدارج ناظر المالية، وإليك ما سمعته من محادثتهم، والتقطته من محاورتهم تارة بعربيتهم وأخرى بفرنساويتهم.
As we proceeded on our way, the tram ground to a halt with a whistle. There were two men alongside each other, one riding a bicycle and the other quite out of breath from keeping up with him. They had barely reached the tram before the man next to me stood up respectfully and accepted their greetings. The man who had been walking took a seat, looking as though he were mounting a splendid steed like some horseman on the battlefield. The man who was riding the bicycle stayed on his machine and pedaled alongside the tram. I was sitting between them. I had no idea who they might be until they greeted each other with an air of authority, from which I gathered that they were ministers. From their conversation, it emerged that the passenger sitting beside me was the Permanent Undersecretary of Justice, the person who had been walking was the Minister of War, and the man on the bicycle was the Minister of Finance. I will now give you a version of the conversation I heard; they were speaking sometimes in Arabic and at others in French:
٤،٤،٠
وكيل الحقانية (لناظر الحربية وناظر المالية) كيف تمشيان وتدرجان على هذه الحال وأين خيلكما ومركبتكما.
ناظر الحربية (متهللا فرحا) وقع الحجز عليهما من نظارة المالية.
وكيل الحقانية (وهو لا يكاد يسيغ ريقه من الدهشة) وكيف يقع الحجز على مركبة ناظر المالية وهو الحفيظ على خزائن الأرض وعلى مركبة ناظر الحربية وبخيله ورجله فتح السودان.
ناظر الحربية إننا قد أغفلنا أعطاء العوائد عليهما فأراد المحتلون أن يظهروا للملأ عدلهم بإطلاق المساواة بيننا وبين كافة الناس فبادروا بالحجز عليها وبادرنا إلى المسابقة في غرضهم فأعلنا ذلك بمشينا في الشوارع والأزقة وركوب الترامواي إخلاصا في الموافقة على ما يريدون، وتزلفا إليهم بفعل ما يشتهون.
وكيل الحقانية لقد حق لنا السرور والفرح بهذا فقد أعاد لنا المحتلون ما نسمع به من المساواة في صدر الإسلام من نزول الأمراء إلى درجة الرعية وما يفرق ركوبك الترامواي من ركوب مروان الحمار عند دخوله الشام، في خلافة أبي سفيان بن هشام، حين اعترض على موكبه ومخالفة المساواة به.
ناظر الحربية قل لي بالله في أي كتاب وجدت هذه الحكاية.
وكيل الحقانية لم أنقلها عن كتاب حيث لا وقت عندي لقراءة الكتب وإنما سمعتها موثوقًا بها من منقولات الناظر من شيخه الحداد.
ناظر المالية (متلفتا فوق دراجته يمينا وشمالا) ذكرتم شيئا وغابت عنكم أشياء فإنه لم يدخل في حسابكم تلك الفائدة التي تفوق فائدة الطاعة في أمر المساواة وهي صعود قيمة الأسهم في شركة الترامواي إذا ركبنا فيه فإنّ الناس يتزاحمون للركوب فيه صغيرهم وكبيرهم لمشاهدتنا ومماثلتنا والركوب بجانبنا فتصعد أسعار السهام فيربح كل من أناله الحظ نصيبا منها.
Permanent Undersecretary (to the Ministers of War and Finance) Why are you